ماذا استفاد المغربُ بسبب حَربه على الإرهاب بالمنطقة؟

ما الذِي ربحَهُ المغربُ من ورَاء حَربه ضدَّ الإرهاب بالمنطقة؟
مَا الذِي ربحهُ المغرب من شنِّه حربًا على الإرهاب؟ سؤَالٌ قدْ يبدُو شائكًا، فِي خضمِّ المتغيرات الإقليميَّة، وارتباطًا بمَا للمغرب من طموحٍ فِي المنطقة، يغذيهُ السعيُ إلى حشدٍ دعمٍ لقضيته الأولى، لكنَّ مجلَّة "فرورِين أفير" الأمريكيَّة، لا تتوانَى عنْ الاقترابْ من رحَى الحرب المغربيَّة، على التطرف في المنطقَة، وإبداءْ المملكة موقفًا صريحًا منه، غير مهادنٍ.
"فورين أفير"، عادتْ إلى شهر نوفمبر المنصرم، الذي احتضنَ فيه المغرب لقاءً جمعَ وزراء خارجيَّة 19 بلدًا، منهَا فرنسَا وليبيَا ومالِي، تمَّ الخلوص فِي أعقابه إلى اتفاقٍ لإنشاء مركز تكوين في الأمن الحدودِي المشترك، يرجحُ أنْ يتخذَ من العاصمة الرِّبَاط مقرًّا له.
المنبر الأمريكي ذهب إلى أنَّ ما عرفَ بإعلان الرباط، جسدَ إقرارًا بالمجهُودات الكبيرة التِي بذلها المغرب في عمليات الأمن والتصدِي للإرهاب في منطقَة شمال إفريقيَا. محيلةً إلى الدور الذِي اضطلعَ به المغرب، على مدَى العامين الأخيرين، في أزمَة مالِي. التِي تأججتْ بعدَ تمردِ قبليٍّ تظافرَ بانقلابٍ عسكرِي، استدعَى قيامَ فرنسا بتدخلٍ لدحر الإرهابيِّين.
التدخل العسكرِي لفرنسا أتى، وفقَ ما يقول المنبر الأمريكي، بعدمَا خابَ رهانُ الخبراء وصناع القرار السياسي، على الجزائر لتنخرطَ بجيشها للإرهابِ فِي مالِي، المحاذِي لهَا حدوديًّا، بينما لمْ يتردد المغرب في المقابل، فِي الانخراط في التدخل العسكرِي الفرنسِي في مالِي، الأمر الذِي مكنهُ من قطفِ ثمار تأييده، وكسبِ معركة التأثير لصالحه، في منطقة تشهدُ منافسة محمومةً بين الجارين، حيثُ استطاعَ المغرب تقوية علاقته ببلدٍ من بلدان الساحل وكسبهِ لصفِّه.
ورغمَ أنَّ المغرب عُزلَ من مبادراتٍ إقليميَّة، بسبب خلافهِ مع الجزائر، منذُ مدَّةٍ ليستْ بالقصِيرة، كما هو الحالُ مع عدم عضويته في قيادة أركان دول الساحل، التِي تضمُّ الجزائر وموريتانيَا ومالِي والنيجر، لأجل التنسيق في محاربة الإرهاب، إلَّا أنَّ للمغرب بواعثَ جيو استراتيجيَّة واقتصاديَّة، وحتَّى توسعيَّة، لتقوية حضوره في شمال إفريقيا، تقولُ "فورِين أفير" مضيفةً أنَّ الحركات الإسلاميَّة الراديكاليَّة في منطقة الساحل، التِي لا حكمُها قانون، تجعلُ من محاربَة التطرفُ بطاقةً ذَات مميزةً في يدِ المغرب.
التأثيرُ الدينِي للمغرب، ربطتهُ المجلَّة الأمريكيَّة، باستنادِ الملكيَّة في المغرب، الموجُودة في السلطَة منذ القرن السابع عشر، إلى الانحدار من سلالة النبِي، وتولِي الملك محمدٍ السادس إمارةَ المؤمنين، ممَّا يجعلهُ الأكثر شرعيَّة، قياسًا بجمِيع الملكيَّاتِ العربيَّة الأخرَى، ففِي الوقتِ الذِي تثارُ المشاكل في دول الربِيع العربِي حول نموذج الدولة، بين العلمانيِّين والإسلاميين، يقدم العاهلُ المغربيُّ نفسهُ كرمزٍ للاعتدالِ الدينِي، والإصلاح في المنطقة، بفضلِ عدَّة مبادرات، عمد عبر بعضها إلى إرسال أئمةٍ ووعاظ، من بينهم نساء، إلَى مدنٍ أوربيَّة، كيْ يقطعُوا الطريق على مَا الخطابات المتطرفة، المستهدفَة للجاليَة المغربيَّة بهَا.
كمَا أنَّ المغرب قدمَ منحًا لطلبةٍ ماليِّين، ومكنهُمْ من الدراسة في جامعاته كيْ يحارب الإيديلوجيَّات المتطرفة، ويشيعَ التسامح بين المسلمِين، الأمر الذِي من شأنه، وفقَ ما تورد "فورِين أفير"، أنْ تقوِّيَ المذهب المالكِي، ذِي النفوذ الأقوى فِي شمال إفريقيا والساحل، مقارنةٍ بالمذاهب الثلاثة الأخرَى، واصفةً إيَّاه بالمذهب الأكثر اعتدالًا فِي الإسلام.
"العاهلُ المغربِي سيواصلُ بيُسرٍ سياستهُ الدينيَّة في المغرب، مَا دامتْ الدولة صاحبة اليد طولَى في الحياة الدينيَّة، فهيَ التِي تحددُ أوقات الصلاة، وتلزمُ الأئمَّة بالتوفر على رخصَة من وزارة الأوقاف، وتغربلُ الفتاوَى الصَّادرة من الخارج"، تردفُ المجلَّة الأمريكيَّة، عازيَة حدَّ المغرب من تشكيل جماعاتٍ سلفيَّة إلى إحكامهِ السيطرةَ على الحقل الدينِي، سيمَا لدَى مقارنته بدول الجوار.
تبعًا لمَا ذكر، يسعَى المغربُ، فِي الوقت الرهن، إلى تصدير نموذجه المعتدِل إلى مالِي، وإلَى أنْ يصبحَ مصدرَ الإسلام المعتدِل، عمومًا، إلى شمال إفريقيا، فخلالَ سبتمبر 2013، وقعَ المغربُ ومالِي اتفاقًا، لتمكِين 500 إمامٍ ماليٍّ من تكوينٍ دينِيٍّ في المغرب، عسَى أنْ يسهمُوا لدَى عودتهم إلى بلادهم، فِي إصلاح ما أفسدهُ الخطاب المتشدد للوعاظ الباكستانيِّين والسعوديِّين، الذِين بنَوْا المساجد في مالِي. وغدَوْا يكتسحُون بالوهابيَّة التأثير الصوفِي في مالِي كمَا فِي شمالِ إفريقيَا.
وبمَا أنَّ تكوِينَ الأئمَّة الماليِّين في المغرب، سيجعلُ الحقل الدينِي في مالِي موجهًا بتعالِيم المذهبِ المالكِي، فإنَّ النفُوذَ المغربِي سيتعاظمُ بمنطقة الساحل، تخلصُ "فورِين أفير"، التِي ذهبَتْ إلى مدًى أبعد، بحديثها عنْ بعثِ "النفوذ في مالِي" عبر بوابة الدِّين، مطامحَ "المغرب الكبير"، الممتد من صحراء الغرب الجزائرِي، ويشملُ موريتانيَا كاملةً، ممتدًّا إلى شمالِ غرب مالِي، كمَا كانَ الوطنيُّون المغاربة يطمحُون إليه، قبل المرحلة الكولونياليَّة.
زيادةً على ما للمغربِ من نفوذٍ دينِيٍّ في دول إفريقيَّة، ظلتْ امتدادًا روحيًّا للمملكة، يلعبُ الاقتصادُ دورًا مهمًّا، من جانبه، من خلال فروع لأبناك مغربيَّة في دول إفريقيَّة، كمالِي والسينغال. حيث يساهمُ "التجارِي وفا بنك" بأزيد من خمسِين فِي المائة في البنكِ الدولِي لمالِي. دونَ إغفال حضور "اتصالات المغرب" في مالِي والنيجر وبوركينافاصو.
كمَا أنَّ المكتب الشرِيف للفوسفاط، وسعَ عمليات استكشاف الفوسفاط في شرق مالِي، الغني بالموارد، على أنْ تصبَّ العمليَّة في تأمين الأمن الغذائِي لمالِي مستقبلًا، تقول فورِين أفير"، عنْ عودَة المغرب بقوةٍ إلى العمق الإفريقِي، الذِي وصفهُ الملك الراحل الحسن الثانِي، ذات يوم، بجذور الشجرة المغربيَّة، التِي تتفرعُ أغصانهَا، شمالًا، فِي أوربَا.

0 comments:

إرسال تعليق

 
. © جميع الحقوق محفوظة